ولكن لفظ [الروح، والنفس] يعبر بهما عن عدة معان: فيراد بالروح الهواء الخارج من البدن، والهواء الداخل فيه، ويراد بالروح البخار الخارج من تجويف القلب من سويداه الساري في العروق، وهو الذي تسميه الأطباء الروح ويسمى الروح الحيواني، فهذان المعنيان غير الروح التي تفارق بالموت التي هي النفس.
ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه كما يقال: رأيت زيدًا نفسه وعينه،وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28، 30]، وفي الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين: (لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته)، وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء: الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ.
وقد يراد بلفظ النفس: الدم الذي يكون في الحيوان كقول الفقهاء: [ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة] ومنه يقال: نفست المرأة إذا حاضت، ونفست إذا نفسها ولدها، ومنه قيل: النفساء، ومنه قول الشاعر:
تسيل على حد الظباة نفوسنا ** وليست على غير الظباة تسيل
فهذان المعنيان بالنفس ليسا هما معنى الروح، ويراد بالنفس عند كثير من المتأخرين صفاتها المذمومة، فيقال: فلان له نفس، ويقال: اترك نفسك، ومنه قول أبي مرثد: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: أي رب، كيف الطريق إليك؟ فقال: اترك نفسك. ومعلوم أنه لا يترك ذاته وإنما يترك هواها وأفعالها المذمومة، ومثل هذا كثير في الكلام،يقال: فلان له لسان، فلان له يد طويلة، فلان له قلب، يراد بذلك لسان ناطق، ويد عاملة صانعة، وقلب حي عارف بالحق مريد له، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
كذلك النفس لما كانت حال تعلقها بالبدن يكثر عليها اتباع هواها صار لفظ [النفس] يعبر به عن النفس المتبعة لهواها أو عن اتباعها الهوى، بخلاف لفظ "الروح" فإنها لا يعبر بها عن ذلك؛ إذ كان لفظ [الروح] ليس هو باعتبار تدبيرها للبدن.
ويقال: النفوس ثلاثة أنواع، وهي:
[النفس الأمارة بالسوء] التي يغلب عليها اتباع هواها بفعل الذنوب والمعاصي.
و[النفس اللوامة] وهي التي تذنب وتتوب فعنها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب ؛ ولأنها تتلوم أي تتردد بين الخير والشر.
و[النفس المطمئنة] وهي التي تحب الخير والحسنات وتريده، وتبغض الشر والسيئات وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خلقًا وعادة وملكة، فهذه صفات وأحوال لذات واحدة، وإلا فالنفس التي لكل إنسان هي نفس واحدة، وهذا أمر يجده الإنسان من نفسه.
وقد قال طائفة من المتفلسفة الأطباء: إن النفوس ثلاثة: نباتية، محلها الكبد. وحيوانية ،محلها القلب. وناطقية، محلها الدماغ.
وهذا إن أرادوا به أنها ثلاث قوى تتعلق بهذه الأعضاء فهذا مسلم، وإن أرادوا أنها ثلاثة أعيان قائمة بأنفسها فهذا غلط بين .