والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن الصلاة:(إن الله قبض أرواحنا حيث شاء، وردها حيث شاء) وقال له بلال: يارسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، وقال تعالى} اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }[الزمر:42[.
قال ابن عباس وأكثر المفسرين: يقبضها قبضين: قبض الموت، وقبض النوم، ثم في النوم يقبض التي تموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى حتى يأتي أجلها وقت الموت.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نام: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها . وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)،وقد ثبت في الصحيح: أن الشهداء جعل الله أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة ثم تأوى إلى قناديل معلقة بالعرش. وثبت ـ أيضا ـ بأسانيد صحيحة: أن الإنسان إذا قبضت روحه فتقول الملائكة: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجى راضية مرضيًا عنك، ويقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجســد الخبيث، اخرجي ساخطة مسخوطًا عليك، وفي الحديث الآخر: (نسمة المؤمن طائر تعلق من ثمر الجنة ثم تأوى إلى قناديل معلقة بالعرش) فسماها نسمة.
وكذلك في الحديث الصحيح حديث المعراج: أن آدم ـ عليه السلام ـ قبل يمينه أسودة، وقبل شماله أسودة، فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، وأن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هذه الأسودة نسم بنيه: عن يمينه السعداء، وعن يساره الأشقياء)، وفي حديث على: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة)، وفي الحديث الصحيح: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) فقد سمى المقبوض وقت الموت ووقت النوم روحًا ونفسا، وسمى المعروج به إلى السماء روحًا ونفسًا، لكن يسمى نفسًا باعتبار تدبيره للبدن ويسمى روحًا باعتبار لطفه، فإن لفظ [الروح] يقتضى اللطف؛ ولهذا تسمى الريح روحًا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الريح من روح الله) أي من الروح التي خلقها الله فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك لا إضافة وصف؛ إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عينًا قائمة بنفسها فهو ملك له، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به فهو صفة لله.
فالأول كقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}[الشمس: 13] وقوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} وهو جبريل: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا . قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا . قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 17ـ 19] وقال: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] وقال عن آدم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
والثاني كقولنا: علم الله، وكلام الله، وقدرة الله، وحياة الله، وأمر الله، لكن قد يعبر بلفظ المصدر عن المفعول به فيسمى المعلوم علمًا، والمقدور قدرة والمأمور به أمرًا، والمخلوق بالكلمة كلمة، فيكون ذلك مخلوقًا. كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران: 45]، وقوله: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، ومن هذا الباب قوله: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، فإذا كان يوم القيامة جمع هذه إلى تلك، فرحم بها عباده)، ومنه قوله في الحديث الصحيح للجنة: (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي) كما قال للنار: (أنت عذابي أعذب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها).